على مدار أكثر من 25 عامًا، قام حافظ أبو سعدة خلالها بتكريس جل حياته في تعزيز الديمقراطية والمساهمة في نشرها، وكذلك قدم روحه في سبيل حماية الحقوق الإنسانية والدفاع عنها.
وبرحيله فقدت مصر أحد الحقوقيين المتميزين الذين ناضلوا طويلًا من أجل حرية بلده وحقوق مواطنيه.
رحل حافظ أبو سعدة الرجل الذي لم يُدِر ظهره أبدًا لنداء الأمة وهي تطالب بالعيش والحرية والعدالة على مدار عقود؛ حتى لبَّى نداء ربه.
رحل حافظ أبو سعدة الرجل الذي ضحى بنفسه من أجل زملائه وفي سبيل قضيته العادلة ودفع الثمن أن مكث في السجن وسط حيطانة المظلمة في قضية ” الكشح” وأزمة الطائفية.
رحل حافظ أبو سعدة الرجل النبيل والحقوقي البارز، رحل من كان جديرًا بالاحترام لموقفه الوطني، من كان جديرًا بالحب من أجل رِفعة أخلاقة، من كان جديرًا أن يكون واحدًا من أبناء مصر؛ البلد الذي دائمًا ما كان ينجب رجالًا ثابتين في الدفاع عنه أرضًا وشعبًا وجيشًا.
انخرط أبو سعدة في المجتمع المدني مدافعًا عن حقوق الإنسان منذ منتصف الثمانينيات، وتدرج في العمل بالمنظمة المصرية لحقوق الإنسان؛ إحدى أعرق الجهات الحقوقية في مصر؛ حتى وصل إلى رئاستها بجانب عضويته في المجلس القومي لحقوق الإنسان، الذي كان أحد أعمدته ورموزه المخلصة؛ التي عملت بكل جد وإخلاص حتى تبوأ المجلس مكانته، بجانب شراكته مع عدة جهات حقوقية دولية.
فقد قام الراحل بدورٍ متميزٍ وبناءٍ في رئاسة لجان المجلس القومي لحقوق الإنسان، وتمثيله في العديد من المحافل الدولية والمحلية، وكذلك المشاركة بخبرته وعلمه في إعداد العديد من الدراسات والبحوث والتقارير، التي قام بها المجلس منذ إنشائه وحتى وافته المنية.
دافع أبو سعدة عن الكثير من القضايا الحقوقية والإنسانية؛ وخصوصًا فيما يتعلق بمعاملة المحبوسين وتوفير ضمانات المحاكمة العادلة، وهو ما تسبّب له بالعديد من المشكلات في فترات متعددة، دفع الراحل الكثير من جهده وعمره في سبيلها.
نشأته وتعليمه:
وُلِد حافظ أبو سعدة عام 1965 بالقاهرة، وتخرج من جامعة القاهرة عام 1990 حاصلًا على الليسانس في الحقوق، ثم حصل على الماجستير في “المعاملات الدولية القانونية التجارية واللوجستية” عام 2009 من الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، وأخيرًا حصل أبو سعدة على الدكتوراه في القانون الدولي من جامعة الإسكندرية عام 2011.
شارك أبو سعدة منذ الصبا في الحركة الطلابية في الثمانينات ضد حكومة الرئيس السابق مبارك، واُعتقل عدة مرات بسبب أنشطته المعارضة، فقد كان من بين الشباب الذين تبنوا المشروع القومي العربي ودافعوا عنه وآمنوا به.
وكانت جهوده المتميزة، ودوره الرائد، وموقفه الوطني سببًا في اختياره أمينًا عامًا للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، وذلك منذ العام 1998، ورئيسًا لها عام 2009، وظل يتحمل مسئولية قيادتها حتى وفاته، قاد خلالها دفة المنظمة في خضم عشرات العواصف الهوجاء التي مرت بها مصر منذ نهاية التسعينيات.
قاد “أبو سعدة” المنظمة المصرية بحكمة واقتدار كبيرين في ظل الإعصار الذي عاشته البلاد وعاشه العالم العربي بين 2011 و2014، وقد نجح في التوفيق بين الانتصار لمعايير حقوق الإنسان وبين غايتها الجوهرية في حماية السلم الاجتماعي وبين المصالح الوطنية.
كان أبو سعدة مؤيدًا للثورة المصرية ضد نظام مبارك، وشارك في الاحتجاجات التي أطاحت بحسني مبارك في 11 فبراير 2011، كما عارض بشدة نظام الإخوان المسلمين وشارك في مظاهرات 30 يونيو 2013 التي أدت في نهاية المطاف إلى خلع الرئيس مرسي في 3 يوليو 2013.
إنجازاته:
شغل حافظ أبو سعدة عدة مناصب في المنظمة المصرية لحقوق الإنسان؛ ابتداءً بكونه رئيس وحدة العمل الميداني عام 1993 وحتى 1994، ثم تقلده لمنصب المدير التنفيذي عام 1994 وحتى 1996، وبعد ذلك أصبح الأمين العام عام 1998 وحتى 2009، إلى أن أصبح رئيس مجلس إدارة المنظمة المصرية لحقوق الإنسان منذ عام 2009 وحتى رحيله.
بالإضافة إلى ذلك، تقلد العديد من المناصب في الجهات الحقوقية المحلية والدولية؛ حيث إنه:
– كان عضوًا في المجلس القومي لحقوق الإنسان منذ عام 2003.
– كان مبعوثًا للفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان إلى جامعة الدول العربية بين 2004 وحتى 200.
– كان رئيسًا للجنة الشكاوى في المجلس القومي لحقوق الإنسان بين 2003 وحتى 2004.
– كان نائبًا لرئيس منظمة الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان بين 2001 وحتى 2004،
– كان مستشارًا في المركز المصري لحقوق المرأة عام 1997.
– كان المدير التنفيذي للشبكة العربية للتنمية الديمقراطية منذ 1997.
كما ترأس العديد من المناصب خلال فترة شغله لمنصب أمين عام المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، أبرزها: عضوية لجنة مجلس الإدارة في “تعزيز الإطار القانوني للجمعيات في العالم العربي من خلال الحوار الوطني وتمكين المجتمع المدني” (2007-2009) بتمويل من الاتحاد الأوروبي ومؤسسة فريدريش ناومان، كما قام بالإشراف على مشروع “منتدى الإصلاح التشريعي المصري” (2007-2008) الذي نفذته المنظمة المصرية لحقوق الإنسان وبتمويل من المبادرة الأوروبية للديمقراطية وحقوق الإنسان. بالإضافة إلى الإشراف على مشروع “مكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان” (2007-2008) الذي نفذته المنظمة المصرية لحقوق الإنسان وبتمويل من المبادرة الأوروبية للديمقراطية وحقوق الإنسان.
كان للراحل أبو سعدة دورًا بارزًا في إصدار العديد من التقارير الحقوقية التي أصدرتها المنظمة المصرية خلال فترة شغله منصب الأمين؛ حيث رصد ووثق العديد من الانتهاكات التي حدثت من الشرطة إبان حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، بينما عمل بالعديد من الملفات والقضايا المرتبطة بدعم الوضع الحقوقي خلال السنوات الأخيرة.
قام أبو سعدة بالمشاركة في عشرات المؤتمرات الدولية لحقوق الإنسان، وكذلك حضر جلسات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف بانتظام؛ كممثل للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، كما قام بكتابة العديد من التقارير والمؤلفات التي ساهمت في إرساء مبادئ حقوق الإنسان في مصر وركزت على حرية التعبير والرأي، كما ساهم في توثيق العديد من الانتهاكات؛ ففي عام 2000 ساهمت كتابات أبو سعدة في إلغاء عقوبة الجلد في السجون المصرية، كما قام بكتابة العديد من التقارير والمقالات القانونية الخاصة بقوانين العمل الأهلي في مصر، كما خاض العديد من المعارك الدفاعية أمام المحاكم للمطالبة بتعديلات قانونية أو الدفاع عن بعض المنظمات التي تتعرض إلى مضايقات حكومية.
وقد أصدر الراحل الكثير من المؤلفات الخاصة به التي تناول خلالها العديد من القضايا الحقوقية؛ كحرية التعبير، والاختفاء القسري، وحقوق المسجونين، والمحاكم العسكرية، ومراقبة الانتخابات، والمشاركة السياسية؛ ومن أبرز مؤلفاته: “حرية الرأي والتعبير الواقع وآفاق المستقبل” عام 2009، و”مصر: نحو قانون جديد للأحزاب السياسية” عام 2008، و”انتخابات 2005 والتغيير المؤجل ” عام 2005، و”أفخاخ قبل تعديل الدستور”في 21 سبتمبر 2005، و”قرارات الهيئة الرئاسية وشرعية الرئيس المنتخب” في 8 سبتمبر 2005، و”هل نحتاج حقًا إلى مراقبة دولية على الانتخابات” في 24 يوليو 2005، و”الفتوى بين الدين والسياسة” في 23 يوليو 2005.
برحيل الدكتور حافظ أبو سعدة فقدت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان ركنًا من أركانها الأساسية، ورمزًا من رموزها المخلصين، الذي كان مدافعًا مستميتًا عن حقوق الإنسان وعن الديمقراطية والعدالة في مصر، كما فقدت الحركة الحقوقية المصرية برحيله أحد أهم قادتها الشجعان ومناضليها الشرفاء.